من المفاهيم الخاطئة عند البعض أن علاقة المسلم بالكافر هي علاقة عنف وشدة وغلظة بإطلاق، وهو خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الكفار، فقد وضعـ صلى الله عليه وسلمـ آداباً وضوابط تقوم عليها العلاقة مع الكفار، والتعامل معهم.
وهي آداب وضوابط مبنية على العدل وعدم الظلم، كما قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8) .
وعن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ عن آبائهم، عن رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ قال: (ألا من ظلم معاهَدَاً، أو انتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة) رواه أبو داود.
وعن عبد الله بن عمروـ رضي الله عنهـ: عن النبيـ صلى الله عليه وسلمـ قال: (من قتل نفسا معاهَدَاً لم يَرِح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما) رواه البخاري.
ومن المعلوم أن المؤمن لا يكون ولاؤه إلا لله تعالى ولرسولهـ صلى الله عليه وسلمـ وللمؤمنين، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة: 55) .
والولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم ونصرتهم لإيمانهم، والنصح والدعاء لهم، وغير ذلك من حقوق، والبراء من الكفار يكون ببغضهم، وعدم الركون إليهم، أو التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم، ونحو ذلك من مقتضيات العداوة في الله، مع معاملتهم بالعدل، والوفاء بالعهد، والأمانة وعدم الغش، قال الله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: من الآية8) .
ومن هدي النبيـ صلى الله عليه وسلمـ في معاملته للكافر:
دعوته إلى الله:
استخدم رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ أساليباً متعددة مع الكافرين في دعوتهم للدخول في الإسلام، وشملت دعوته، الدعوة باللسان حيث أقام الأدلة القاطعة على إرساله لهم، وكان يرغبهم في الإسلام ويبين لهم محاسنه، ويظهر لهم حلمه وصفحه، ويعرفهم موافقة القرآن لما في كتبهمـ قبل تحريفهاـ ، وقبِل الهدية منهم، وأوصى بهم خيرا.
فدعوة الكافر إلى اللهـ بحكمة ورفقـ وتبليغه حقيقة الإسلام من أعظم الإحسان إليه، وهي قُرْبة إلى الله، لقولهـ صلى الله عليه وسلمـ لعلي بن أبي طالبـ رضي الله عنهـ لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو إلى الإسلام قال: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم) رواه البخاري. وقالـ صلى الله عليه وسلمـ: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم.
حُسْن الجوار، وعدم الإيذاء، والإهداء:
حسن الجوار، وعدم الإيذاء، كذلك الإهداء للكافر، وقبول الهدية منه، كل ذلك من هدي النبيـ صلى الله عليه وسلمـ في معاملته معه.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: ذُبِحتْ شاة لابن عمرو في أهله، فقال: أهديتم لجارنا اليهوديّ؟ ، قالوا: لا، قال: ابعثوا إليه منها، فإني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورِّثه) رواه أحمد. وقد قَبِل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ هدية المقوقس، وهدية كسرى، وقبل الشاة المهدية له من اليهودية.
البيع والشراء:
عن عائشةـ رضي الله عنهاـ: (أن النبيـ صلى الله عليه وسلمـ اشترى طعاما من يهودي إلى أجل، ورهنه درعا من حديد) رواه البخاري، (توفي رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير) رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: " تجوز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم على المتعامَل فيه، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم ".
وقال الشيخ ابن عثيمين: " وأما معاملتهم في البيع والشراء، وأن يدخلوا تحت عهدنا فهذا جائز، فقد كان الرسولـ صلى الله عليه وسلمـ يبيع ويشتري من اليهود، كان اشترى طعاما لأهله، ومات ودرعه مرهونة عندهم ".
عيادة الكافر:
عن أنسـ رضي الله عنهـ قال: (كان غلام يهودي يخدم النبيـ صلى الله عليه وسلمـ فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم. . فأسلم، فخرج النبيـ صلى الله عليه وسلمـ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار) رواه البخاري.
الانتفاع بما عندهم من علم:
أذِن النبيـ صلى الله عليه وسلمـ في أن يتلقى المسلم من غير المسلم ما ينفعه في علوم الطب والزراعة وغيرها من علوم، فعن عائشةـ رضي الله عنهاـ قالت: (واستأجر رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ و أبو بكر رجلا من بني الديل، هاديا خِرِّيتا (الماهر بالطرق في السفر) ، وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث) رواه البخاري.
قال الشوكاني: " الحديث فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق ".
وقد زارع رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ يهود خيبر على أن يعملوا ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها.
قال ابن عمرـ رضي الله عنهماـ: (أعطى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ خيبر بالشطر، فكان ذلك على عهد النبيـ صلى الله عليه وسلمـ وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر، ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعد ما قُبِض النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ) رواه البخاري.
هكذا كان يتعامل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ مع غير المسلمين، تعاملاً قائمًا على العدل والرحمة والتسامح معهم، والإحسان إليهم، وكذلك فإن سيرتهـ صلى الله عليه وسلمـ خير شاهد على تمتع الأقلية غير المسلمة بالحرية الدينية، فلم يرتضِ يومًا أن يفرض عليهم عقيدة الإسلام، امتثالاً لأمر الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99) .
المصدر: موقع إسلام ويب